فصل: بَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ:

وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ تَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَسُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا آلَةُ الدِّفَاعِ فَكَانَتْ غَنِيمَةً لِكُلِّ طَالِبٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (وَلَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ زَكَاةٌ فَإِذَا كَانَتْ) الْغَنَمُ (أَرْبَعِينَ سَائِمَةً فَفِيهَا) أَيْ فَفِي أَرْبَعِينَ (شَاةٌ) اسْمُ جِنْسٍ تَاؤُهَا لِلْإِفْرَادِ تَقَعُ عَلَى الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ يَخُصُّهَا بِالضَّأْنِ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ.
(إلَى مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَفِيهَا) أَيْ فَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ (شَاتَانِ إلَى مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ فَفِيهَا) أَيْ فَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ (ثَلَاثُ شِيَاهٍ) بِالْكَسْرِ جَمْعُ شَاةٍ فَإِنَّ أَصْلَهَا شُوهَةٌ قُلِبَتْ الْوَاوُ أَلِفًا، وَحَذْفُ الْهَاءِ شُذُوذًا.
(إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ فَفِيهَا) أَيْ فَفِي أَرْبَعِمِائَةٍ (أَرْبَعُ شِيَاهٍ ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ) وَمَا بَيْنَ النِّصَابَيْنِ مَعْفُوٌّ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ (وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ) الضَّأْنُ جَمْعُ ضَائِنٍ يَنْتَظِمُ الْكَبْشَ وَالنَّعْجَةَ، وَالْمَعْزُ جَمْعُ مَاعِزِ يَنْتَظِمُ التَّيْسَ وَالْمَعْزَ (سَوَاءٌ) التَّسْوِيَةُ الَّتِي يُفْهَمُ مِنْ تَخْيِيرِ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا هِيَ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ لَا فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ حَتَّى أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الْمَعْزِ اتِّفَاقًا وَمِنْ الضَّأْنِ أَيْضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَعَ أَنَّ الْجَذَعَ لَا يُؤْخَذُ.
(وَأَدْنَى) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ الثَّنِيُّ الْآتِي (مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ وَيُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ الثَّنِيُّ وَهُوَ مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ مِنْهَا) لَا الْجَذَعُ وَهُوَ مَا أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ السَّنَةِ هَذَا عَلَى تَفْسِيرِ الْفُقَهَاءِ، وَعِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْجَذَعُ مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ وَطَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّنِيُّ مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَتَانِ وَطَعَنَ فِي الثَّالِثَةِ وَعَنْ الْإِمَامِ رَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَعْزِ إلَّا الثَّنِيُّ وَأَمَّا فِي الضَّأْنِ فَتُؤْخَذُ الْجَذَعَةُ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ.

.فَصْلٌ فِي زَكَاةِ الْخَيْلِ:

(إذَا كَانَتْ الْخَيْلُ سَائِمَةً) لِلنَّسْلِ (ذُكُورًا وَإِنَاثًا) مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِيَّةِ (فَفِيهَا) الزَّكَاةُ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التُّحْفَةِ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالسَّرَخْسِيُّ وَصَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَالْقُدُورِيُّ فِي التَّجْرِيدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَإِنَّمَا قُلْنَا لِلنَّسْلِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ سَائِمَةً لِلرُّكُوبِ أَوْ الْحَمْلِ أَوْ الْجِهَادِ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ فِيهَا وَإِنْ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ كَانَتْ سَائِمَةً أَوْ غَيْرَ سَائِمَةٍ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ وَفِي إطْلَاقِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا نِصَابَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ يُشْكِلُ اشْتِرَاطُ النِّصَابِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا وَقِيلَ ثَلَاثٌ وَقِيلَ خَمْسٌ كَمَا فِي الْكَافِي (خِلَافًا لَهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ صَدَقَةٌ فِي فَرَسِهِ وَلَا فِي غُلَامِهِ» وَأَوَّلَهُ مَنْ ذَهَبَ إلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِفَرَسِ الْغَازِي لِتَعَارُضِ الدَّلِيلِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فِي كُلِّ فَرَسٍ سَائِمَةٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ».
وَفِي الْأَسْرَارِ أَنَّ إطْلَاقَ النَّفْيِ كَانَ لِاتِّفَاقِ الْعَادَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ فَرَسٌ لِغَيْرِ الْغَزْوِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى هَذَا لَا تَأْوِيلَ (فَإِنْ شَاءَ) الْمُزَكِّي (أَعْطَى مِنْ كُلِّ فَرَسٍ) اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَيَعُمُّ الْعَرَبِيَّ وَغَيْرَهُ (دِينَارًا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَعْطَى مِنْ قِيمَتِهَا رُبُعَ الْعُشْرِ إنْ بَلَغَتْ) قِيمَتُهَا (نِصَابًا) وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الدِّينَارِ وَالتَّقْوِيمِ مَأْثُورٌ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ لَكِنَّ هَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَمَأْثُورٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَيْضًا قِيلَ: هَذَا فِي أَفْرَاسِ الْعَرَبِ لِتَقَارُبِهَا فِي الْقِيمَةِ وَأَمَّا فِي أَفْرَاسِنَا فَتَعَيَّنَ التَّقْوِيمُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَفْرَاسَ الْعَرَبِ أَعْلَى قِيمَةً مِنْ أَفْرَاسِنَا فَإِذَا كَانَ التَّخْيِيرُ جَائِزًا فِيهَا مَعَ أَنَّهَا أَعْلَى قِيمَةً فَلِمَ لَا يَجُوزُ فِي أَفْرَاسِنَا وَقِيلَ: هَذَا فِي الْأَفْرَاسِ الْمُتَسَاوِيَةِ وَأَمَّا فِي الْمُتَفَاوِتَةِ قِيمَةً فَالزَّكَاةُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ أَلْبَتَّةَ.
(وَلَيْسَ فِي الذُّكُورِ الْخُلَّصِ شَيْءٌ اتِّفَاقًا وَفِي الْإِنَاثِ الْخُلَّصِ عَنْ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ) لَكِنْ فِي الْفَتْحِ فِي كُلٍّ مِنْ الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ وَالْإِنَاثِ الْمُنْفَرِدَةِ رِوَايَتَانِ وَالْأَرْجَحُ فِي الذُّكُورِ عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَنَاسَلُ وَفِي الْإِنَاثِ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّهَا تَتَنَاسَلُ بِالْفَحْلِ الْمُسْتَعَارِ.
(وَلَا شَيْءَ فِي الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ مَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَيْسَ فِي الْكُسْعَةِ صَدَقَةٌ» الْكُسْعَةُ الْحَمِيرُ فَإِذَا لَمْ تَجِبْ فِي الْحَمِيرِ لَا تَجِبُ فِي الْبِغَالِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ نَسْلِهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ فَتَجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ (وَكَذَا الْفُصْلَانُ) بِالضَّمِّ أَوْ الْكَسْرِ جَمْعُ الْفَصِيلِ وَلَدِ النَّاقَةِ إذَا فُصِلَ عَنْ أُمِّهِ (وَالْحُمْلَانُ) بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ جَمْعُ الْحَمَلُ مُحَرَّكَةٌ وَهُوَ الْخَرُوفُ أَوْ الْجَذَعُ مِنْ أَوْلَادِ الضَّأْنِ مِمَّا دُونَهُ وَإِنَّمَا قَدَّمَهَا عَلَى الْعَجَاجِيلِ مَعَ أَنَّهَا أَحَقُّ بِهِ نَظَرًا إلَى تَرْتِيبِ الْفُصُولِ السَّابِقَةِ التَّأَخُّرِ عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا تُنَاسِبُ الْفُصْلَانُ صِيغَةً (وَالْعَجَاجِيلُ) جَمْعُ عِجَّوْلٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ الْمَفْتُوحَةِ بِمَعْنَى عِجْلٍ وَلَدِ الْبَقَرِ حِينَ تَضَعُهُ أُمُّهُ إلَى شَهْرٍ يَعْنِي لَيْسَ فِي جَمْعِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ زَكَاةٌ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ هَذَا آخِرِ أَقْوَالِ الْإِمَامِ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْت عَلَى الْإِمَامِ فَقُلْت لَهُ: أَمَا تَقُولُ فِيمَنْ يَمْلِكُ أَرْبَعِينَ حَمَلًا ؟ فَقَالَ: فِيهَا شَاةٌ مُسِنَّةٌ فَقُلْت رُبَّمَا يَأْتِي قِيمَةُ الشَّاةِ فِيهَا عَلَى أَكْثَرِهَا أَوْ عَلَى جَمِيعِهَا ؟ فَتَأَمَّلَ سَاعَةً.
ثُمَّ قَالَ: وَلَكِنْ تُؤْخَذُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا فَقُلْت أَوْ يُؤْخَذُ الْحَمَلُ فِي الزَّكَاةِ ؟ فَتَأَمَّلَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ لَا إذْ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ فَعَدَّ هَذَا مِنْ مَنَاقِبِ الْإِمَامِ حَيْثُ أَخَذَ بِكُلِّ قَوْلٍ مِنْ أَقَاوِيلِهِ مُجْتَهِدٌ وَلَمْ يَضَعْ مِنْهَا شَيْءٌ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ رَدَّ مَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ وَقَالَ إنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ الصِّبْيَانِ مُحَالٌ فَمَا ظَنُّكَ بِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ: بَعْضُهُمْ لَا مَعْنَى لِرَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ فَوَجَبَ أَنْ يُؤَوَّلَ عَلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ فَيُقَالُ: إنَّهُ يَمْتَحِنُ أَبَا يُوسُفَ هَلْ يَهْتَدِي إلَى طَرِيقِ الْمُنَاظَرَةِ فَلَمَّا عَرَفَهُ أَنَّهُ يَهْتَدِي قَالَ قَوْلًا عُوِّلَ عَلَيْهِ، لَكِنْ بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ أَخْذَ أَبِي يُوسُفَ قَوْلَهُ الثَّانِيَ يَأْبَى عَنْ رَدِّهِ إيَّاهُ عِنْدَ الْمُنَاظَرَةِ وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا: يَجِبُ فِيهَا مَا يَجِبُ فِي الْمَسَانِّ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَمَالِكٍ كَمَا قَالَ الْفَاضِلُ ابْنُ كَمَالٍ الْوَزِيرُ: لَكِنْ اسْتَصْعَبَ عَلَى بَعْضِ الْفُضَلَاءِ تَصْوِيرُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ دَائِرٌ عَلَى حَوَلَانِ الْحَوْلِ وَبَعْدَ الْحَوَلَانِ لَا يَبْقَى اسْمُ الْحَمَلِ وَالْفَصِيلِ وَالْعُجُولِ فَقِيلَ: الِاخْتِلَافُ فِي انْعِقَادِ النِّصَابِ كَمَا لَوْ مَلَكَ بِالشِّرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَصِيلًا أَوْ ثَلَاثِينَ عِجْلًا أَوْ أَرْبَعِينَ حَمَلًا هَلْ يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ أَمْ لَا يَنْعَقِدُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ بَلْ يُعْتَبَرُ أَنَّ انْعِقَادَ الْحَوْلِ مِنْ حِينِ الْكِبَرِ وَعِنْدَ غَيْرِهِمَا يَنْعَقِدُ حَتَّى لَوْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ حِينِ مَلَكَهَا وَجَبَتْ وَقِيلَ فِي بَقَائِهِ كَمَا لَوْ وَلَدَتْ السَّوَائِمُ قَبْلَ الْحَوْلِ فَهَلَكَتْ السَّوَائِمُ فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَيْهَا هَلْ يَبْقَى حَوْلُ الْأُصُولِ عَلَى الْأَوْلَادِ فَفِي قَوْلِهِمَا لَا يَبْقَى وَفِي الْبَاقِينَ يَبْقَى (إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا كَبِيرٌ) أَيْ الْكَبِيرُ مِنْ السَّائِمَةِ التَّامَّةِ الْحَوْلِ فَيَجْعَلُونَ الصِّغَارَ تَابِعَةً لِلْكِبَارِ فِي انْعِقَادِ النِّصَابِ دُونَ تَأْدِيَةِ الزَّكَاةِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مَعَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ حَمَلًا مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ تَجِبُ شَاةٌ وَسَطٌ، وَتُؤْخَذُ الْمُسِنَّةُ إلَّا إذَا هَلَكَتْ فَإِنَّ الزَّكَاةَ سَقَطَتْ عَنْ الْبَاقِي عِنْدَهُمَا إذْ الْوُجُوبُ بِاعْتِبَارِهَا.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَجَبَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءٍ مِنْ مُسِنَّةٍ.
(وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْهَا) وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ الْإِمَامِ وَبِهَا أَخَذَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا، وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاسْمَ الْمَذْكُورَ مِنْ الْخِطَابِ يَنْتَظِمُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ وَوَجْهُ الثَّانِي تَحْقِيقُ النَّظَرِ لِلْجَانِبَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ إيجَابَ الْمُسِنَّةِ إضْرَارٌ بِأَرْبَابِ النُّصُبِ وَفِي إخْلَائِهِ عَنْ الْإِيجَابِ إضْرَارٌ بِالْفُقَرَاءِ فَقُلْنَا بِإِيجَابِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا رِفْقًا بِالْجَانِبَيْنِ وَوَجْهُ الْأَخِيرِ أَنَّ النَّصَّ أَوْجَبَ لِلزَّكَاةِ أَسْنَانًا مُرَتَّبَةً وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الصِّغَارِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التُّحْفَةِ.
(وَلَا) شَيْءَ (فِي الْحَوَامِلِ) هِيَ مَا أُعِدَّتْ لِحَمْلِ الْأَثْقَالِ (وَالْعَوَامِلِ) هِيَ مَا أُعِدَّتْ لِلْعَمَلِ (وَالْعَلُوفَةِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ مَا يُعْلَفُ مِنْ الْغَنَمِ، وَغَيْرُهَا الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ سَوَاءٌ وَبِالضَّمِّ جَمْعُ عَلَفٍ؛ لِأَنَّ النَّمَاءَ مُنْعَدِمٌ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَتَضَاعَفُ بِالْعَلَفِ فَيَنْعَدِمُ النَّمَاءُ مَعْنًى وَالسَّبَبُ الْمَالُ النَّامِي.
(وَكَذَا) لَا شَيْءَ (فِي السَّائِمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ)؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْغِنَى وَلَا غَنَاءَ إلَّا بِالْمِلْكِ لَا بِمِلْكِ شَرِيكِهِ (إلَّا أَنْ يَبْلُغَ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصَابًا) هَذَا إذَا كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بِالنِّصْفِ، فَلَوْ تَفَاوَتَتْ وَبَلَغَتْ حِصَّةُ أَحَدِهِمَا نِصَابًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَ صَبِيٍّ وَبَالِغٍ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَى الْبَالِغِ.
(وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ) ذَكَرَ السِّنَّ وَأَرَادَ ذَاتَ السِّنِّ وَهَذَا؛ لِأَنَّ عُمْرَ الدَّوَابِّ يُعْرَفُ بِالسِّنِّ (وَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ) أَيْ الْمَالِكِ هَذِهِ الْعِبَارَةُ وَقَعَتْ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ الْمُعْتَادِ حَتَّى لَوْ دَفَعَ الْأَعْلَى أَوْ الْأَدْنَى أَوْ الْقِيمَةَ مَعَ وُجُودِ السِّنِّ جَازَ (دَفَعَ أَدْنَى مِنْهُ مَعَ الْفَضْلِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ وَأَخَذَ) الْمَالِكُ (الْفَضْلَ) أَوْ دَفَعَ الْقِيمَةَ وَالْمُرَادُ: أَنَّ الْمُتَصَدِّقَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ يُجْبَرُ السَّاعِي عَلَى الْقَبُولِ إلَّا إذَا دَفَعَ الْأَعْلَى وَطَلَبَ الْفَضْلَ حَيْثُ لَا يُجْبَرُ فِيهِ السَّاعِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْبَيْعَ الضِّمْنِيَّ فَلَا جَبْرَ فِيهِ وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ قَدْرَ الْوَاجِبِ أَوْ قِيمَتَهُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْمُصَدِّقَ لَا خِيَارَ لَهُ إلَّا إذَا أَعْطَاهُ بَعْضَ الْعَيْنِ لِأَجْلِ الْوَاجِبِ بِأَنْ كَانَ الْوَاجِبُ مَثَلًا بِنْتُ لَبُونٍ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضَ الْحِقَّةِ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ لِمَا فِيهِ مِنْ عَيْبِ التَّنْقِيصِ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَعَ الْعَيْبِ يُسَاوِي قَدْرَ الْوَاجِبِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِ إجْبَارَ الْمُصَدِّقِ عَلَى شِرَاءِ الزَّائِدِ انْتَهَى، لَكِنْ فِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِيهِ إجْبَارُ الْمُصَدِّقِ عَلَى شِرَاءِ الزَّائِدِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَيْضًا مُخَيَّرٌ، غَايَتُهُ أَنَّ الْمُصَدِّقَ يُعْرِضُ عَلَى الْآخِذِ هَذَا فَإِنْ قَبِلَهُ فَبِهَا، وَإِلَّا يَتَوَجَّهُ إلَى آخَرَ وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى شَيْءٍ إذَا دَفَعَ الْأَعْلَى (وَقِيلَ الْخِيَارُ لِلسَّاعِي) وَالْأَوْلَى مَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا وَالسَّاعِي مَنْ نَصَّبَهُ الْإِمَامُ لِأَخْذِ الصَّدَقَاتِ.
(وَيَجُوزُ دَفْعَ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ) حَتَّى لَوْ أَدَّى ثَلَاثَةَ شِيَاهٍ سِمَانٍ عَنْ أَرْبَعٍ وَسَطٍ جَازَ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ مِثْلِيًّا بِأَنْ أَدَّى أَرْبَعَةَ أَقْفِزَةٍ جَيِّدَةٍ عَنْ خَمْسَةٍ وَسَطٍ وَهِيَ تُسَاوِيهَا لَا يَجُوزُ أَوْ كِسْوَةً بِأَنْ أَدَّى ثَوْبًا يَعْدِلُ ثَوْبَيْنِ لَمْ يَجُزْ إلَّا عَنْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا فِي الضَّحَايَا وَالْعِتْقِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ مُقَيَّدٌ بِبَقَاءِ أَيَّامِ النَّحْرِ وَأَمَّا بَعْدَهَا فَيَجُوزُ (وَالْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ وَالْكَفَّارَاتُ وَالنَّذْرُ) هُوَ بِأَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهَذَا الْخُبْزِ فَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ أَوْ بِشَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ فَتَصَدَّقَ بِشَاةٍ تَعْدِلُهُمَا جَازَ أَمَّا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ أَوْ يُعْتِقَ عَبْدَيْنِ فَأَهْدَى شَاةً أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا يُسَاوِي قِيمَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَسَطَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ (وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ) يَعْنِي أَدَاءَ الْقِيمَةِ مَكَانَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِيمَا ذَكَرَ جَائِزٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَهُ النُّصُوصُ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْهَدْي وَالْأُضْحِيَّةِ وَلَنَا تَجْوِيزُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَمِيرِ الْيَمَنِ أَنْ يَأْخُذَ الثِّيَابَ بَدَلَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقَالَ: فَإِنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى النَّاسِ وَنَفْعٌ لِلْمُهَاجِرَيْنِ بِالْمَدِينَةِ وَلَيْسَ أَنَّ الْقِيمَةَ بَدَلٌ عَنْ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْبَدَلِ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ الْأَصْلِ وَأَدَاءُ الْقِيمَةِ مَعَ وُجُودِ عَيْنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ جَائِزٌ فَكَانَ الْوَاجِبُ عِنْدَنَا أَحَدَهُمَا: إمَّا الْعَيْنُ أَوْ الْقِيمَةُ.
(وَتَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ الْحَوْلِ) وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ أَوْ الظَّاهِرَةِ قَبْلَ طَلَبِ السَّاعِي عِنْدَنَا اتِّفَاقًا وَبَعْدَ الطَّلَبِ قِيلَ تَسْقُطُ وَلَا يَضْمَنُ هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ يَضْمَنُ وَعَلَى هَذَا الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا هَلَكَتْ الْبَاطِنَةُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لَا تَسْقُطُ، قَيَّدَ بِهَلَاكِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِاسْتِهْلَاكِ النِّصَابِ وَكَذَا إذَا لَحِقَهُ الدَّيْنُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ.
(وَإِنْ هَلَكَ بَعْضُهُ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ) لِبَقَاءِ جُزْءٍ يَصْلُحُ لَهَا فَلَوْ هَلَكَ مِنْ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ مِنْ الْغَنَمِ مَا سِوَى الْأَرْبَعِينَ لَكَانَ الْوَاجِبُ شَاةً.
وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ وَجَدَ مِثْلَهُ اُسْتُؤْنِفَ مِنْهُ الْحَوْلُ (وَيَصْرِفُ الْهَالِكَ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا) وَهُوَ مَا فَوْقَ النِّصَابِ فَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْهَالِكُ الْعَفْوَ فَالْوَاجِبُ عَلَى حَالِهِ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ تِسْعٌ مِنْ الْإِبِلِ وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ يَكُونُ الْوَاجِبُ فِيهَا شَاةً، وَيَكُونُ الْوَاجِبُ فِي خَمْسٍ مِنْ التِّسْعِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْأَرْبَعُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الشَّاةِ (ثُمَّ إلَى نِصَابٍ يَلِيهِ) فَإِنْ جَاوَزَ الْهَالِكُ الْعَفْوَ يُصْرَفُ إلَى نِصَابٍ يَلِيهِ كَمَا لَوْ هَلَكَ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ بَعِيرًا فَالْأَرْبَعَةُ تُصْرَفُ إلَى الْعَفْوِ ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ إلَى النِّصَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَهُوَ مَا بَيْنَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى سِتٍّ وَثَلَاثِينَ حَتَّى تَجِبَ بِنْتُ مَخَاضٍ (ثُمَّ وَثُمَّ) إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ (عِنْدَ الْإِمَامِ) كَمَا لَوْ هَلَكَ عِشْرُونَ مِنْهَا فَفِي الْبَاقِي أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَلَوْ هَلَكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَفِي الْبَاقِي ثَلَاثَةُ شِيَاهٍ وَلَوْ هَلَكَ ثَلَاثُونَ فَفِي الْبَاقِي شَاتَانِ وَلَوْ هَلَكَ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ فَفِي الْبَاقِي شَاةٌ.
(وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُصْرَفُ) الْهَالِكُ (بَعْدَ الْعَفْوِ الْأَوَّلِ إلَى النُّصُبِ) أَيْ إلَى كُلِّ النِّصَابِ حَالَ كَوْنِهِ (شَائِعًا) كَمَا لَوْ هَلَكَ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْهَا فَتَجِبُ فِي الْبَاقِي خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ لَبُونٍ عِنْدَهُ كَانَتْ الْأَرْبَعَةُ الزَّائِدَةُ عَفْوًا فَيُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَى الْأَرْبَعَةِ أَوَّلًا ثُمَّ الْهَلَاكُ يَشِيعُ فِي الْكُلِّ فَيَسْقُطُ بِقَدْرِ الْهَالِكِ (وَالزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالنِّصَابِ دُونَ الْعَفْوِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ.
(وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَزُفَرَ (بِهِمَا) أَيْ بِالنِّصَابِ وَالْعَفْوِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ وَالْكُلُّ نِعْمَةٌ وَلِلشَّيْخَيْنِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ وَلَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرًا» وَهَكَذَا قَالَ فِي كُلِّ نِصَابٍ نَفَى الْوُجُوبَ عَنْ الْعَفْوِ وَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَقَالَ (فَلَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْحَوْلِ أَرْبَعُونَ مِنْ ثَمَانِينَ شَاةٍ تَجِبُ شَاةٌ كَامِلَةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصْفُ شَاةٍ)؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ يُصْرَفُ إلَى الْعَفْوِ فَقَطْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُصْرَفُ إلَيْهِمَا.
(وَلَوْ هَلَكَ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ بَعِيرًا تَجِبُ بِنْتُ مَخَاضٍ) لِمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا.
(وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ مِنْ بِنْتِ لَبُونٍ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا.
(وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصْفُ بِنْتِ لَبُونٍ وَثَمَنُهَا)؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ يُصْرَفُ إلَيْهِمَا جَمِيعًا فَإِذَا هَلَكَ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ بَقِيَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَيَجِبُ نِصْفٌ وَثُمُنٌ مِنْ بِنْتِ لَبُونٍ: اعْلَمْ أَنَّ صَرْفَ الْهَلَاكِ إلَى الْعَفْوِ يُتَصَوَّرُ فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا فَلَا إلَّا فِي السَّوَائِمِ.
(وَيَأْخُذُ السَّاعِي الْوَسَطَ) رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ بِلَا جَبْرٍ (لَا الْأَعْلَى وَلَا الْأَدْنَى) حَتَّى لَوْ وَجَبَتْ بِنْتُ لَبُونٍ مَثَلًا لَا يَأْخُذُ خِيَارَ بِنْتِ لَبُونٍ وَلَا أَرْدَأَهَا وَإِنَّمَا يَأْخُذُ وَسَطَ بِنْتِ لَبُونٍ.
(وَلَوْ أَخَذَ الْبُغَاةُ) الْأَخْذُ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا حَتَّى لَوْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنْهُ الْخَرَاجَ وَغَيْرَهُ سِنِينَ وَهُوَ عِنْدَهُمْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ أَيْضًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (زَكَاةَ السَّوَائِمِ أَوْ الْعُشْرَ أَوْ الْخَرَاجَ يُفْتَى أَرْبَابُهَا أَنْ يُعِيدُوهَا خِفْيَةً) أَيْ يُؤَدُّونَهَا إلَى مُسْتَحَقِّيهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إخْفَاءً وَسِرًّا (إنْ لَمْ يَصْرِفُوهَا فِي حَقِّهَا إلَّا الْخَرَاجَ)؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ يُصْرَفُ إلَى الْمُقَاتِلَةِ وَهُمْ مِنْهُمْ إذْ أَهْلُ الْبَغْيِ يُقَاتِلُونَ أَهْلَ الْحَرْبِ وَالزَّكَاةُ مَصْرِفُهَا الْفُقَرَاءُ وَلَا يَصْرِفُونَهَا إلَيْهِمْ وَقِيلَ: إذَا نَوَى بِالدَّفْعِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْهُ وَكَذَا الدَّفْعُ إلَى كُلِّ جَائِرٍ؛ لِأَنَّهُمْ بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبِعَاتِ فُقَرَاءُ وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ السُّلْطَانُ الْجَائِرُ إذَا أَخَذَ صَدَقَاتِ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ تَجُوزُ وَتَسْقُطُ فِي الصَّحِيحِ وَلَا يُؤْمَرُ ثَانِيًا.

.بَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ:

وَالْعُرُوضِ بِالضَّمِّ جَمْعُ عَرَضٍ بِفَتْحَتَيْنِ حُطَامُ الدُّنْيَا أَيْ مَتَاعُهَا سِوَى النَّقْدَيْنِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَكَذَا سُكُونُ الرَّاءِ وَفَتْحُ الْعَيْنِ مِثْلُ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ كَمَا فِي الدِّيوَانِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْأَمْتِعَةُ الَّتِي لَا يَدْخُلُهَا كَيْلٌ وَلَا وَزْنٌ وَلَا يَكُونُ حَيَوَانًا وَلَا عَقَارًا وَالْمُرَادُ هَاهُنَا الثَّانِي لِعُمُومِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ لَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا كَانَتْ التِّجَارَةُ بِالْحَيَوَانَاتِ مِنْ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْجَمَلِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِيمَا ذُكِرَ زَكَاةُ التِّجَارَةِ لَا السَّوَائِمِ لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا اسْتِثْنَاءُ السَّوَائِمِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ اللَّامَ لِلْعَهْدِ.

.نِصَابُ الذَّهَبِ:

(نِصَابُ الذَّهَبِ) أَيْ الْحَجَرَ الْأَصْفَرَ الرَّزِينَ مَضْرُوبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لِكَوْنِهِ ذَاهِبًا بِلَا بَقَاءٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (عِشْرُونَ) أَيْ مُقَدَّرٌ بِعِشْرِينَ (مِثْقَالًا) هُوَ لُغَةً: مَا يُوزَنُ بِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا وَعُرْفًا مَا يَكُونُ مَوْزُونُهُ قِطْعَةَ ذَهَبٍ مُقَدَّرٌ بِعِشْرِينَ قِيرَاطًا وَالْقِيرَاطُ خَمْسُ شَعِيرَاتٍ مُتَوَاسِطَةٍ غَيْرِ مَقْشُورَةٍ مَقْطُوعَةٍ مَا امْتَدَّ مِنْ طَرْفِهَا فَالْمِثْقَالُ مِائَةُ شَعِيرَةٍ وَهَذَا عَلَى رَأْيِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَمَّا عَلَى رَأْي الْمُتَقَدِّمِينَ فَالْمِثْقَالُ سِتَّةُ دَوَانِقَ وَالدَّوَانِقُ أَرْبَعُ طَسُّوجَاتٍ وَالطَّسُّوجُ حَبَّتَانِ، وَالْحَبَّةُ شَعِيرَتَانِ فَالْمِثْقَالُ شَعِيرَةٌ وَتِسْعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَرْبَعُ شَعِيرَاتٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.

.َنِصَابُ الْفِضَّةِ:

(وَنِصَابُ الْفِضَّةِ) أَيْ الْحَجَرِ الْأَبْيَضِ الرَّزِينِ وَلَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَا لِإِزَالَةِ الْكُرْبَةِ عَنْ مَالِكِهَا مِنْ الْفَضِّ وَهُوَ التَّفْرِيقُ (مِائَتَا دِرْهَمٍ وَفِيهِمَا رُبُعُ الْعُشْرِ) وَهُوَ نِصْفُ مِثْقَالٍ فِي نِصَابِ الذَّهَبِ وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ فِي الْفِضَّةِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا بِحِسَابِهِ) فَفِي أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا زَادَتْ عَلَى الْمِائَتَيْنِ دِرْهَمٌ وَفِي أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ زَادَتْ عَلَى الْعِشْرِينَ حِصَّتُهَا وَلَا شَيْءَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التُّحْفَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ صَدَقَةٌ» (وَقَالَا مَا زَادَ بِحِسَابِهِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (قَلَّ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَلَوْ زَادَ دِينَارٌ وَجَبَ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ عِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ نِصْفِ دِينَارٍ وَلَوْ زَادَ دِرْهَمٌ وَجَبَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ وَهَكَذَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «وَمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَبِحِسَابِهِ» لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ زَائِدٌ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فِي هَذَا عَلَى الْأَرْبَعِينِيَّات تَوْفِيقًا (وَالْمُعْتَبَرُ) بَعْدَ بُلُوغِ النِّصَابِ (فِيهِمَا الْوَزْنُ وُجُوبًا وَأَدَاءً) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ.
وَقَالَ زُفَرُ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُعْتَبَرُ الْأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ حَتَّى لَوْ أَدَّى عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ جِيَادٍ خَمْسَةً زُيُوفًا قِيمَتُهَا أَرْبَعَةٌ جِيَادٌ جَازَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ.
وَلَوْ أَدَّى أَرْبَعَةً جَيِّدَةً قِيمَتُهَا خَمْسَةٌ رَدِيئَةٌ عَنْ خَمْسَةٍ رَدِيئَةٍ لَا تَجُوزُ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ.
وَلَوْ كَانَ نُقْصَانُ السِّعْرِ لِنَقْصٍ فِي الْعَيْنِ بِأَنْ ابْتَلَّتْ الْحِنْطَةُ اُعْتُبِرَ يَوْمُ الْأَدَاءِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ هَلَاكَ بَعْضِ النِّصَابِ بَعْدَ الْحَوْلِ أَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لِزِيَادَتِهَا اُعْتُبِرَ يَوْمُ الْوُجُوبِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا تُضَمُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَإِنَّمَا قُلْنَا بَعْدَ بُلُوغِ النِّصَابِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ إبْرِيقُ فِضَّةٍ وَزْنُهَا مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَقِيمَتُهَا مِائَتَانِ فَلَا زَكَاةَ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ أَدَّى مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ بِالْإِجْمَاعِ.
(وَ) الْمُعْتَبَرُ (فِي الدَّرَاهِمِ وَزْنُ سَبْعَةٍ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْعَشَرَةُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ (وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ): وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّرَاهِمَ مُخْتَلِفَةٌ عَلَى عَهْدِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَمِنْهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ عَلَى وَزْنِ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ وَعَشَرَةٌ عَلَى سِتَّةِ مَثَاقِيلَ وَعَشَرَةٌ عَلَى خَمْسَةِ مَثَاقِيلَ فَأَخَذَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ ثُلُثًا كَيْ لَا تَظْهَرَ الْخُصُومَةُ فِي الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ فَصَارَ الْمَجْمُوعُ إحْدَى وَعِشْرِينَ مِثْقَالًا فَثُلُثُهُ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَهَذَا يَجْزِي فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الزَّكَاةِ وَنِصَابِ السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ وَتَقْدِيرِ الدِّيَاتِ.
وَفِي النَّوَازِلِ: أَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَزْنُ كُلِّ بَلَدٍ.
(وَمَا غَلَبَ ذَهَبُهُ أَوْ فِضَّتُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْخَالِصَيْنِ) وَفِيهِ إشْعَارٌ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ إذَا تَسَاوَى أَحَدُهُمَا الْغِشُّ وَقِيلَ تَجِبُ الزَّكَاةُ احْتِيَاطًا اخْتَارَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَقِيلَ فِيهِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَقِيلَ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ.
(وَمَا غَلَبَ غِشُّهُ) كَالسَّتُّوقَةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهَا الْغِشُّ (تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ) إذَا كَانَتْ رَائِجَةً أَوْ نَوَى التِّجَارَةَ (لَا وَزْنُهُ وَتُشْتَرَطُ نِيَّةُ التِّجَارَةِ فِيهِ) أَيْ فِيمَا غَلَبَ غِشُّهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَثْمَانًا رَائِجَةً وَلَا مَنْوِيَّةً لِلتِّجَارَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ يَبْلُغُ النِّصَابَ بِأَنْ كَانَتْ كَثِيرَةً وَتَتَخَلَّصُ مِنْ الْغِشِّ فَإِنْ كَانَ مَا فِيهَا لَا يَتَخَلَّصُ فَلَا؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ فِيهَا قَدْ هَلَكَتْ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي الْغَايَةِ الظَّاهِرُ أَنَّ خُلُوصَ الْفِضَّةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّرَاهِمِ فِضَّةٌ بِقَدْرِ النِّصَابِ (كَالْعُرُوضِ) لِيَكُونَ نَامِيًا.
(وَيَجِبُ فِي تِبْرِهِمَا) بِالْكَسْرِ وَهُوَ مَا يَكُونُ غَيْرَ مَضْرُوبٍ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَعْدِنِيَّاتِ كَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ إلَّا أَنَّهُ بِالذَّهَبِ أَكْثَرُ اخْتِصَاصًا وَقِيلَ فِيهِ حَقِيقَةٌ وَفِي غَيْرِهِ مَجَازٌ (وَحُلِيِّهِمَا) سَوَاءٌ كَانَ لِلنِّسَاءِ أَوْ لَا أَوْ قَدْرَ الْحَاجَةِ أَوْ فَوْقَهَا أَوْ يُمْسِكُهَا لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلنَّفَقَةِ أَوْ لِلتَّجَمُّلِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا.
وَقَالَ مَالِكٌ: الْمُبَاحُ الِاسْتِعْمَالُ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَهُوَ أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُبْتَذَلٌ وَمُبَاحٌ فَشَابَهُ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ كَوْنُهُمَا مَالٌ نَامٍ وَالنَّمَاءُ مَوْجُودٌ وَهُوَ الْإِعْدَادُ لِلتِّجَارَةِ خِلْقَةً، وَالدَّلِيلُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الثِّيَابِ وَحُلِيُّ الْمَرْأَةِ مَعْرُوفٌ جَمْعُهُ حُلِيٌّ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ وَلَا يَدْخُلُ الْجَوَاهِرُ وَاللُّؤْلُؤُ وَبِخِلَافِهِ فِي بَحْثِ الْإِيمَانِ (وَآنِيَتَهُمَا) جَمْعُ إنَاءٍ.
(وَ) تَجِبُ الزَّكَاةُ أَيْضًا (فِي عُرُوضِ تِجَارَةٍ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا مِنْ أَحَدِهِمَا) أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (تُقَوَّمُ) أَيْ عُرُوضُ التِّجَارَةِ (بِمَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ) أَيُّهُمَا كَانَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «يُقَوِّمُهَا فَيُؤَدِّي مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ» وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ يَعْنِي نُقَوِّمُ بِمَا يَبْلُغُ نِصَابًا إنْ كَانَ يَبْلُغُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ احْتِيَاطًا فِي حَقِّ الْفُقَرَاءِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهَا تُقَوَّمُ بِالْأَنْفَعِ إنْ كَانَتْ تَبْلُغُ بِهِمَا فَإِنْ كَانَ التَّقْوِيمُ بِالدَّرَاهِمِ أَنْفَعُ قُوِّمَتْ بِهَا، وَإِنْ بِالدَّنَانِيرِ قُوِّمَتْ بِهَا وَإِنْ بَلَغَتْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا تُقَوَّمُ بِالْأَرْوَجِ، وَلَوْ اسْتَوَيَا رَوَاجًا يُخَيَّرُ الْمَالِكُ وَتُقَوَّمُ فِي الْمِصْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَوْ فِي مَفَازَتِهِ الْقَرِيبَةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ يُقَوَّمُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَيُقَوَّمُ بِالْمَضْرُوبَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ ثَمَنُهَا مِنْ النُّقُودِ قُوِّمَتْ بِمَا اُشْتُرِيَتْ بِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا قُوِّمَتْ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قُوِّمَتْ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ (وَتُضَمُّ قِيمَتُهَا) أَيْ الْعُرُوضِ الَّتِي لِلتِّجَارَةِ (إلَيْهِمَا) أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (لِيَتِمَّ النِّصَابُ) فَيُزَكِّي عَنْ قَفِيزِ حِنْطَةٍ لِلتِّجَارَةِ وَخَمْسَةِ مَثَاقِيلَ مِنْ ذَهَبٍ قِيمَةَ كُلٍّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْكُلِّ بِاعْتِبَارِ التِّجَارَةِ وَإِنْ افْتَرَقَتْ جِهَةُ الْإِعْدَادِ وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ فِيهِ.
(وَيُضَمُّ أَحَدُهُمَا) أَيْ النَّقْدَيْنِ (إلَى الْآخَرِ بِالْقِيمَةِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِلْمُجَانَسَةِ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ (وَعِنْدَهُمَا بِالْأَجْزَاءِ) أَيْ بِالْقَدْرِ فَيُزَكِّي لَوْ كَانَتْ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا تَبْلُغُ مِائَةَ دِرْهَمٍ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا لَا تَبْلُغُ مِائَةَ دِرْهَمٍ تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ، وَاعْلَمْ أَنَّ السَّوَائِمَ الْمُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لَا يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ بِالْإِجْمَاعِ.
(وَيُضَمُّ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِنْسِ نِصَابٍ إلَيْهِ) أَيْ إلَى النِّصَابِ (فِي حَوْلِهِ وَحُكْمِهِ) أَيْ فِي حُكْمِ الْمُسْتَفَادِ وَالْحَوْلِ، وَحُكْمُ الْحَوْلِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ أَيْضًا فَمَنْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَحَالَ الْحَوْلُ وَقَدْ حَصَلَتْ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ يَضُمُّهَا إلَيْهِ وَيُزَكِّي عَنْ الْكُلِّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِمِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ خِلَافَ جِنْسِهِ لَا يُضَمُّ بِالِاتِّفَاقِ وَالْمُسْتَفَادُ مِنْ جِنْسِهِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ حَاصِلًا بِسَبَبِ الْأَصْلِ كَالْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ أَوْ بِسَبَبٍ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ يُضَمُّ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ رَجُلٍ مِقْدَارُ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ سَائِمَةٍ فَاسْتَفَادَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ضَمَّهَا وَزَكَّى كُلَّهَا عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.
(وَنُقْصَانُ النِّصَابِ) أَطْلَقَهُ لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ نِصَابٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالنَّقْدَيْنِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ وَالسَّوَائِمِ (فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَا يَضُرُّ إنْ كَمُلَ فِي طَرَفَيْهِ)؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ كَمَالِ النِّصَابِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ حَرَجًا فَاعْتُبِرَ وُجُودُ النِّصَابِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ لِلِانْعِقَادِ.
وَفِي آخِرِهِ لِلْوُجُوبِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ النِّصَابِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ كُلُّهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَا تَجِبُ وَإِنْ تَمَّ آخِرَ الْحَوْلِ عَلَى النِّصَابِ فَلَوْ كَانَ لَهُ عَصِيرٌ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ فِي آخِرِهِ وَالْخَلُّ أَيْضًا يُسَاوِيهِ يَسْتَأْنِفُ لِلْخَلِّ وَيَبْطُلُ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ وَإِلَى أَنَّ الدَّيْنَ فِي الْحَوْلِ لَا يَقْطَعُ حُكْمَ الْحَوْلِ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ خِلَافًا لِزُفَرَ وَكَذَا إذَا جَعَلَ السَّائِمَةَ عَلُوفَةً؛ لِأَنَّ الْعَلُوفَةَ لَيْسَتْ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ وَصْفِهِ كَهَلَاكِ كُلِّ النِّصَابِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً مَاتَتْ فِي الْحَوْلِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ إذَا كَانَ صُوفُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُشْتَرَطُ الْكَمَالُ فِي كُلِّ الْحَوْلِ فِي سَائِمَةٍ وَنَقْدٍ وَفِي آخِرِ الْحَوْلِ فِي عُرُوضٍ.
(وَلَوْ عَجَّلَ) أَيْ قَدَّمَ (ذُو نِصَابٍ لِسِنِينَ) أَيْ صَحَّ لِمَالِكِ النِّصَابِ أَوْ أَكْثَرَ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ سِنِينَ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ تِلْكَ السِّنِينَ حَتَّى إذَا مَلَكَ فِي كُلٍّ مِنْهَا نِصَابًا أَجْزَأَهُ مَا أَدَّى مِنْ قَبْلُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمَالُ النَّامِي وَقَدْ وُجِدَ (أَوْ) عَجَّلَ (لِنُصُبٍ صَحَّ) أَيْ صَحَّ لِمَالِكِ نِصَابٍ وَاحِدٍ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ نُصُبٍ كَثِيرَةٍ حَتَّى إذَا مَلَكَ النُّصُبَ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ فَبَعْدَ مَا تَمَّ الْحَوْلُ أَجْزَأَهُ مَا أَدَّى خِلَافًا لِزُفَرَ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِلَا نِصَابٍ إجْمَاعًا فَلَوْ عَجَّلَ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْفَقِيرِ لَمْ يَأْخُذْهُ وَفِي يَدِ الْإِمَامِ أَخَذَهُ لَكِنْ إذَا هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْهُ.
(وَلَا شَيْءَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ التَّغْلِبِيِّ وَعَلَى الْمَرْأَةِ مِنْهُمْ مَا عَلَى الرَّجُلِ) بَنُو تَغْلِبَ بِكَسْرِ اللَّامِ قَوْمٌ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ طَالَبَهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِالْجِزْيَةِ فَأَبَوْا فَقَالُوا نُعْطِي الصَّدَقَةَ مُضَاعَفَةً فَصُولِحُوا عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هَذَا جِزْيَتُكُمْ فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ فَلَمَّا جَرَى الصُّلْحُ عَلَى ضِعْفِ زَكَاةِ الْمُسْلِمِينَ لَا تُؤْخَذُ مِنْ صِبْيَانِهِمْ وَتُؤْخَذُ مِنْ نِسْوَانِهِمْ كَالْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُوضَعُ عَلَى النِّسَاءِ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْجِزْيَةِ وَجِزْيَةٌ عَلَى النِّسَاءِ.

.بَابُ الْعَاشِرِ:

أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَمَّا قَبْلَهُ لِتَمَحُّضِ مَا قَبْلِهِ فِي الْعِبَادَةِ وَهَذَا يَشْمَلُ غَيْرَ الزَّكَاةِ كَالْمَأْخُوذِ مِنْ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ وَلَمَّا كَانَ فِيهِ عِبَادَةٌ وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ قَدَّمَهُ عَلَى الْخُمْسِ مِنْ الرِّكَازِ وَالْعَاشِرُ فَاعِلٌ مِنْ عَشَرْت الْقَوْمَ أَعْشُرُهُمْ عُشْرًا بِالضَّمِّ فِيهِمَا إذَا أَخَذْت عُشْرَ أَمْوَالِهِمْ لَكِنَّ الْمَأْخُوذَ هُوَ رُبُعُ الْعُشْرِ لَا الْعُشْرُ إلَّا فِي الْحَرْبِيِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَطْلَقَ الْعُشْرَ وَأَرَادَ بِهِ رُبُعَهُ مَجَازًا مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ جُزْئِهِ أَوْ يُقَالُ الْعُشْرُ صَارَ عَلَمًا لِمَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَأْخُوذُ عُشْرًا لُغَوِيًّا أَوْ رُبُعَهُ أَوْ نِصْفَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُقَالَ الْعَاشِرُ هُوَ تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ أَحْوَالِهِ (هُوَ مَنْ نُصِبَ) أَيْ نَصَّبَهُ الْإِمَامُ (عَلَى الطَّرِيقِ) احْتِرَازٌ عَنْ السَّاعِي وَهُوَ الَّذِي يَسْعَى فِي الْقَبَائِلِ لِيَأْخُذَ صَدَقَةَ الْمَوَاشِي فِي أَمَاكِنِهَا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا وَلَا كَافِرًا لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ فِيهِمَا وَلَا هَاشِمِيًّا لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الزَّكَاةِ وَبِهِ يُعْلَمُ حُكْمُ تَوْلِيَةِ الْكَافِرِ فِي زَمَانِنَا عَلَى بَعْضِ الْأَعْمَالِ وَلَا شَكَّ فِي حُرْمَةِ ذَلِكَ (لِيَأْخُذَ صَدَقَاتِ التُّجَّارِ) الْمَارِّينَ بِأَمْوَالِهِمْ عَلَيْهِ فَيَأْخُذَ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَهَذَا بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي الْمِصْرِ وَلَا فِي الْقُرَى بَلْ فِي الْمَفَازَةِ قَالُوا: إنَّمَا يُنْصَبُ لِيَأْمَنَ التُّجَّارُ مِنْ اللُّصُوصِ وَيَحْمِيَهُمْ مِنْهُمْ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْحِمَايَةِ؛ لِأَنَّ الْجِبَايَةَ بِالْحِمَايَةِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِالصَّدَقَةِ تَغْلِيبًا لِاسْمِ الصَّدَقَةِ عَلَى غَيْرِهَا (يَأْخُذُ مِنْ الْمُسْلِمِ رُبُعَ الْعُشْرِ)؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ بِعَيْنِهَا.
(وَمِنْ الذِّمِّيِّ نِصْفَهُ)؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الذِّمِّيِّ إلَى الْحِمَايَةِ أَكْثَرُ مِنْ حَاجَةِ الْمُسْلِمِ (وَمِنْ الْحَرْبِيِّ تَمَامَهُ)؛ لِأَنَّ احْتِيَاجَهُ إلَيْهَا أَشَدُّ لِكَثْرَةِ طَمَعِ اللُّصُوصِ فِي أَمْوَالِهِ (إنْ بَلَغَ مَالُهُ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَبْلُغَ مَالُ الْحَرْبِيِّ (نِصَابًا وَ) بِشَرْطِ إنْ (لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ مَا يَأْخُذُونَ مِنَّا) أَيْ مِقْدَارَ مَا يَأْخُذُ أَهْلُ الْحَرْبِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ عَلِمَ نَفْسَ الْأَخْذِ مِنْهُمْ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنْ فِي الْعِنَايَةِ إذَا اشْتَبَهَ الْحَالُ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ الْعَاشِرُ مَا يَأْخُذُونَ مِنْ تُجَّارِنَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ.
(وَإِنْ عَلِمَ) مَا أَخَذُوهُ مِنَّا (أَخَذَ مِثْلَهُ) قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا تَحْقِيقًا لِلْمُجَازَاةِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَمَرَ بِذَلِكَ (لَكِنْ إنْ أَخَذُوا الْكُلَّ لَا يَأْخُذُهُ) أَيْ الْعَاشِرُ الْكُلَّ؛ لِأَنَّهُ غَدْرٌ (بَلْ يَتْرُكُ قَدْرَ مَا يُبَلِّغُهُ مَأْمَنَهُ) أَيْ مَوْضِعَ أَمْنِهِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْإِيصَالَ عَلَيْنَا فَلَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِ الْكُلِّ وَقِيلَ يَأْخُذُ الْكُلَّ زَجْرًا لَهُمْ.
(وَإِنْ كَانُوا لَا يَأْخُذُونَ) مِنَّا (شَيْئًا لَا يَأْخُذُ) الْعَاشِرُ (مِنْهُمْ شَيْئًا)؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مَقْصُودِ الْأَمَانِ.
(وَلَا) يَأْخُذُ (مِنْ الْقَلِيلِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَقَرَّ بِأَنَّ فِي بَيْتِهِ مَا يُكْمِلُ النِّصَابَ) لَمَّا كَانَ مَظِنَّتُهُ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ مِلْكُ النِّصَابِ مُطْلَقًا لَا نِصَابِ الْمُرُورِ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا مِنْ الْقَلِيلِ وَإِنْ أَقَرَّ إلَى آخِرِهِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ بُطْلَانُ اعْتِرَاضِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ بِزِيَادَتِهِ لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ مَرَّ حَرْبِيٌّ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونُوا يَأْخُذُونَ مِنَّا مِنْ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ وَهَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
وَفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْقَلِيلِ وَإِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَمْ يَزَلْ عَفْوًا؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحِمَايَةِ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُصَنِّفِ تَفْصِيلٌ تَدَبَّرْ.
(وَيَقْبَلُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَ) مِنْ التُّجَّارِ الَّذِينَ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ (تَمَامَ الْحَوْلِ)، وَلَوْ حُكْمًا كَمَا فِي الْمُسْتَفَادِ وَسَطَ الْحَوْلِ (أَوْ الْفَرَاغَ مِنْ الدَّيْنِ) أَيْ أَنْكَرَ فَرَاغَ الذِّمَّةِ مِنْ الدَّيْنِ الْمُطَالَبِ مِنْ الْعَبْدِ.
وَفِي الْبَحْرِ أَطْلَقَ مِنْ الدَّيْنِ فَشَمَلَ الْمُسْتَغْرِقَ لِلْمَالِ وَالْمُنْقِصَ لِلنِّصَابِ وَهُوَ الْحَقُّ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمُحِيطِ بِمَالِهِ وَانْدَفَعَ مَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْعَاشِرَ يَسْأَلُهُ عَنْ قَدْرِ الدَّيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِمَا يَسْتَغْرِقُ النِّصَابَ يُصَدِّقُهُ وَإِلَّا لَا انْتَهَى.
لَكِنْ، إنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَشْمَلُ مَا لَا يَكُونُ مُنْقِصًا لِلنِّصَابِ كَمَا يَشْمَلُهُمَا فَالْحَقُّ التَّقْيِيدُ كَمَا لَا يَخْفَى تَدَبَّرْ (أَوْ ادَّعَى الْأَدَاءَ بِنَفْسِهِ إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ)؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ كَانَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ فِيهِ وَوِلَايَةُ الْأَخْذِ بِالْمُرُورِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْحِمَايَةِ وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الدَّفْعَ إلَيْهِمْ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمِصْرِ لَا يُقْبَلُ (فِي غَيْرِ السَّوَائِمِ)؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ فِي السَّوَائِمِ لِلْإِمَامِ فِي الْمِصْرِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ إذَا لَمْ يُجِزْ الْإِمَامُ دَفْعَهُ يَضْمَنُ عِنْدَنَا قِيلَ الزَّكَاةُ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي سِيَاسَةٌ وَقِيلَ هُوَ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ يَنْقَلِبُ نَفْلًا هُوَ الصَّحِيحُ (أَوْ) ادَّعَى (الْأَدَاءَ إلَى عَاشِرٍ آخَرَ إنْ وُجِدَ عَاشِرٌ آخَرُ) فِي تِلْكَ السَّنَةِ أَوْ نُصِبَ آخَرُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ قُيِّدَ بِهِ لِظُهُورِ كَذِبِهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وُجُودَ عَاشِرٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْأَمِينَ يُصَدَّقُ بِمَا أَخْبَرَ إلَّا بِمَا هُوَ كَذِبٌ بِيَقِينٍ (مَعَ يَمِينِهِ) أَيْ صُدِّقَ فِي دَعْوَى هَذِهِ الْأُمُورِ بِيَمِينِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالْعِبَادَاتُ وَإِنْ كَانَتْ يُصَدَّقُ فِيهَا بِلَا تَحْلِيفٍ لَكِنْ تَعَلَّقَ هَاهُنَا حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْعَاشِرُ فِي الْأَخْذِ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَيَحْلِفُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ إخْرَاجُ الْبَرَاءَةِ) أَيْ الْعَلَامَةِ بِالدَّفْعِ لِعَاشِرٍ آخَرَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَصْنَعُ إذْ الْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَوْ جَاءَ الْبَرَاءَةَ بِلَا حَلِفٍ لَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيُصَدَّقْ عِنْدَهُمَا عَلَى قِيَاسِ الشَّهَادَةِ بِالْخَطِّ.
(وَلَا يُقْبَلُ فِي أَدَائِهِ بِنَفْسِهِ خَارِجَ مِصْرٍ) أَيْ إذَا ادَّعَى الْأَدَاءَ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ أَوْ مِنْ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ إلَى السَّفَرِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ وَيَضْمَنُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.
(وَلَا) يُقْبَلُ (فِي السَّوَائِمِ، وَلَوْ فِي الْمِصْرِ) هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ وَإِنْ فُهِمَتَا عَمَّا سَبَقَ فَهَاهُنَا صَرَّحَ بِهِمَا.
(وَمَا قَبِلَ مِنْ الْمُسْلِمِ قَبِلَ مِنْ الذِّمِّيِّ) هَذَا لَيْسَ بِجَارٍ عَلَى عُمُومِهِ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ قَالَ أَدَّيْتهَا إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ لَا يُصَدَّقُ كَمَا يُصَدَّقُ الْمُسْلِمُ؛ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةٌ وَمَصْرِفُهَا مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الصَّرْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ فَلَوْ زَادَ إلَّا فِي ادِّعَاءِ الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ إلَى الْفَقِيرِ لَكَانَ أَوْلَى (لَا) يُقْبَلُ (مِنْ الْحَرْبِيِّ) أَيْ جَمِيعُ ذَلِكَ (إلَّا قَوْلَهُ لِأَمَتِهِ هِيَ أُمُّ وَلَدِي) فَيُقْبَلُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ حَرْبِيًّا لَا يُنَافِي الِاسْتِيلَادَ وَإِقْرَارُهُ بِنَسَبِ مَنْ فِي يَدِهِ صَحِيحٌ إذَا كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَأُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ تَبَعٌ لِلنَّسَبِ وَلَوْ كَانَ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُعَشَّرُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِالْعِتْقِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ.
(وَإِنْ مَرَّ الْحَرْبِيُّ ثَانِيًا قَبْلَ مُضِيِّ الْحَوْلِ) بَعْدَ التَّعْشِيرِ (فَإِنْ مَرَّ بَعْدَ عَوْدِهِ إلَى دَارِهِ عُشِّرَ ثَانِيًا)، وَلَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لِقُرْبِ الدَّارَيْنِ كَمَا فِي جَزِيرَةِ أَنْدَلُسَ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَمَانِ وَقَدْ اسْتَفَادَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ.
(وَإِلَّا فَلَا) يُعَشَّرُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِيصَالِ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ الْوَزِيرُ وَمَا قِيلَ إذَا قَالَ أَدَّيْت إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَفِي تِلْكَ السَّنَةِ عَاشِرٌ آخَرُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ فِيهِ، وَإِلَّا يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِيصَالِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ مَرْدُودٌ رِوَايَةً وَدِرَايَةً، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي التُّحْفَةِ وَشُرُوحِ الْهِدَايَةِ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَهُ وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُمْ أُجْرَةُ الْحِمَايَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ مِنْ هَذَا الْعَاشِرِ الْآخَرِ كَمَا وُجِدَتْ مِنْ الْعَاشِرِ الْأَوَّلِ وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ أَحَدِهِمَا بِأَخْذِ الْآخَرِ حَقَّهُ وَالِاسْتِيصَالُ لَا يَلْزَمُ بِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُ بِالتَّعْشِيرِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا الرُّجُوعُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ انْتَهَى.
لَكِنَّ هَذَا الدَّلِيلَ جَارٍ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ أُجْرَةُ الْحِمَايَةِ أَيْضًا كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ تَدَبَّرْ.
(وَتُعَشَّرُ قِيمَةُ الْخَمْرِ)، وَلَوْ قَالَ قِيمَةَ خَمْرِ كَافِرٍ لِلتِّجَارَةِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَاشِرَ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمُسْلِمِ إذَا مَرَّ بِالْخَمْرِ اتِّفَاقًا وَكَذَا لَا يَأْخُذُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ وَجُلُودُ الْمَيْتَةِ كَالْخَمْرِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (لَا قِيمَةَ الْخِنْزِيرِ) أَيْ لَوْ مَرَّ بِهِمَا عَلَى الْعَاشِرِ عَشَّرَ الْخَمْرَ أَيْ مِنْ قِيمَتِهَا دُونَ الْخِنْزِيرِ، وَكَذَا إنْ مَرَّ بِهَا لَا إنْ مَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ عِنْدَهُمْ فَأَخْذُ قِيمَتِهِ كَأَخْذِ عَيْنِهِ، وَالْخَمْرُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَأَخْذُ قِيمَتِهَا لَا يَكُونُ كَأَخْذِهَا وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَفِي الْعِنَايَةِ يُعْرَفُ بِقَوْلِ الْفَاسِقَيْنِ تَابَا أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَسْلَمَا انْتَهَى.
لَكِنْ إنَّ الْقِيَمَ تَخْتَلِفُ بِحَسْبِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ، وَوُجُودُ فَاسِقَيْنِ تَابَا أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَسْلَمَا حِينَ صُدُورِ الدَّعْوَى نَادِرٌ تَدَبَّرْ.
(وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ مَرَّ بِهِمَا مَعًا يُعَشِّرُهُمَا) كَأَنَّهُ جَعَلَ الْخِنْزِيرَ تَابِعًا وَعَشَّرَ الْخَمْرَ دُونَ الْخِنْزِيرِ إنْ مَرَّ بِهِمَا عَلَى الِانْفِرَادِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعَشِّرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَقَالَ زُفَرُ يُعَشِّرُهُمَا مُطْلَقًا.
(وَلَا يُعَشَّرُ مَالٌ تُرِكَ فِي الْمِصْرِ) لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ شَرْطَهُ بُرُوزُهُ بِالْمَالِ عَلَيْهِ فَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ (وَلَا) يُعَشَّرُ مَالٌ (بِضَاعَةً) وَهِيَ مَالٌ يَكُونُ رِبْحُهُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ بِأَدَاءِ زَكَاتِهِ (وَلَا) يُعَشَّرُ مَالٌ (مُضَارَبَةً) وَفِي الْإِيضَاحِ هَذَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ دُونَ الْحَرْبِيِّ قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَلَوْ قَالَ الْحَرْبِيُّ: هَذَا الْمَالُ بِضَاعَةٌ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ.
(وَلَا) يُعَشَّرُ (كَسْبُ مَأْذُونٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُمَا وَلَا نِيَابَةَ مِنْ الْمَالِكِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمُضَارَبَةِ رِبْحٌ عُشِّرَتْ حِصَّةُ الْمُضَارِبِ إنْ بَلَغَتْ نِصَابًا (إلَّا إنْ كَانَ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَأْذُونِ (وَمَعَهُ مَوْلَاهُ) فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَلَا يَأْخُذُهُ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ عَلَى أَصْلِ الْإِمَامِ وَلِلشُّغْلِ عَلَى أَصْلِهِمَا وَكَذَا لَا يَأْخُذُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَوْلَاهُ.
(وَمَنْ مَرَّ بِالْخَوَارِجِ فَعَشَّرُوهُ عُشِّرَ ثَانِيًا) إذَا مَرَّ عَلَى عَاشِرِ مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ أَهْلِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ مَرَّ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ ظَهَرُوا عَلَى مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ ثَمَّةَ جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ وَلَا يُؤْخَذُ الْعُشْرُ مِنْ مَالِ صَبِيٍّ حَرْبِيٍّ إلَّا أَنْ يَكُونُوا يَأْخُذُونَ مِنْ أَمْوَالِ صِبْيَانِنَا شَيْئًا كَمَا فِي الْبَحْرِ.

.بَابُ الرِّكَازِ:

بِكَسْرِ الرَّاءِ دَفِينُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَأَنَّهُ رُكِزَ فِي الْأَرْضِ وَأَرْكَزَ الرَّجُلُ وَجَدَ الرِّكَازَ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ.
وَفِي الْمُغْرِبِ هُوَ الْمَعْدِنُ وَالْكَنْزُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَرْكُوزٌ فِي الْأَرْضِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الرَّاكِزُ وَشَيْءٌ رَاكِزٌ ثَابِتٌ.
وَفِي الْفَتْحِ وَيُطْلَقُ الرِّكَازُ عَلَيْهِمَا حَقِيقَةً مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا وَلَيْسَ خَاصًّا بِالدَّفِينِ، وَلَوْ دَارَ الْأَمْرُ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ مَجَازًا فِيهِ أَوْ مُتَوَاطِئًا إذْ لَا شَكَّ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى الْمَعْدِنِ كَانَ التَّوَاطُؤُ مُتَعَيِّنًا وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْبِدَايَةِ أَنَّ مِنْ الرِّكَازِ حَقِيقَةً فِي الْمَعْدِنِ؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ فِيهَا مُرَكَّبًا.
وَفِي الْكَنْزِ مَجَازٌ بِالْمُجَاوَرَةِ وَقَالَ سَعْدِيٌّ أَفَنْدِي وَمَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمَعْدِنَ اسْمٌ لِمَا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خُلِقَتْ الْأَرْضُ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَالْأَوْلَى تَرْكُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ انْتَهَى.
وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالرِّوَايَةِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ قِيلَ وَمَا الرِّكَازُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خُلِقَتْ الْأَرْضُ» كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ لَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرِّكَازَ يُطْلَقُ عَلَى مَعْدِنِهِمَا فَقَطْ لَا عَلَى غَيْرِهِمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَوْضُوعٌ.
تَدَبَّرْ وَعِنْدَنَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ الرِّكَازِ لَيْسَ بِزَكَاةٍ بَلْ يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْغَنِيمَةِ فَمَوْضِعُهُ الْمُنَاسِبُ كِتَابُ السِّيَرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ زَكَاتُهُ زَكَاةً مَقْصُودَةً بِالنَّفْيِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَوْرَدَهُ هَاهُنَا بِهَذِهِ الْعَلَاقَةِ (مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ وَجَدَ مَعْدِنَ) بِكَسْرِ الدَّالِ (ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ نُحَاسٍ) أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا يَنْطَبِعُ بِالنَّارِ وَيُذَابُ كَالصُّفْرِ وَقَيَّدْنَا بِهِ احْتِرَازًا عَنْ الْمَائِعَاتِ كَالْقَارِ وَنَحْوِهِ وَعَنْ الْجَامِدِ الَّذِي لَا يَنْطَبِعُ كَالْجِصِّ (فِي أَرْضِ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ) احْتِرَازٌ عَمَّا وَجَدَ الْمَعْدِنَ فِي الدَّارِ (أُخِذَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَوْجُودِ أَوْ مِنْ الْوَاجِدِ (خُمُسَهُ وَالْبَاقِي لَهُ) أَيْ لِلْوَاجِدِ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا حُرًّا أَوْ عَبْدًا صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً لَا حَرْبِيًّا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ هَذَا الْمَالِ كَاسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ وَجَمِيعُ مَنْ ذَكَرْنَا لَهُ حَقٌّ فِي الْغَنِيمَةِ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ فَإِنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ، وَإِنْ قَاتَلَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ لَكِنْ فِي الْمِنَحِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ وَالْمُسْتَأْمَنَ إذَا عَمِلَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، وَإِنْ عَمِلَ بِإِذْنِهِ فَلَهُ مَا شَرَطَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ فِيهِ وَإِذَا عَمِلَ الرَّجُلَانِ فِي طَلَبِ الرِّكَازِ وَأَصَابَهُ أَحَدُهُمَا يَكُونُ لِلْوَاجِدِ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ وَأَلْحَقَ لِلْعَمَلِ فِي الْمَعْدِنِ فَالْمُصَابُ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ لَهُ (إنْ لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً (وَأَلْحَقَ) أَيْ الْبَاقِي بَعْدَ الْخُمُسِ لِمَالِكِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
(وَمَا) أَيْ الْمَعْدِنَ الَّذِي (وَجَدَهُ الْحَرْبِيُّ) فِي دَارِنَا (فَكُلُّهُ فَيْءٌ) كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا.
(وَإِنْ وَجَدَهُ) أَيْ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ الْمَعْدِنَ وَلَوْ قَدَّمَهَا عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَرْبِيِّ لَكَانَ مُنَاسِبًا (فِي دَارِهِ) وَمَا فِي حُكْمِهَا كَالْمَنْزِلِ وَالْحَانُوتِ (لَا يُخَمَّسُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» كَالْكَنْزِ.
(وَفِي أَرْضِهِ) الْمَمْلُوكَةِ قَيَّدْنَا بِهَا؛ لِأَنَّ فِي الْأَرْضِ الْمُبَاحَةِ تَجِبُ اتِّفَاقًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شَيْءَ فِي غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَفِيهِمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْحَوْلُ فِي قَوْلٍ (رِوَايَتَانِ) فَفِي الْأَصْلِ لَا شَيْءَ فِيهِ.
وَفِي الْجَامِعِ خُمُسٌ وَالْفَرْقُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالدَّارِ أَنَّ الْأَرْضَ لَمْ تُمْلَكْ خَالِيَةً عَنْ الْمُؤَنِ بَلْ فِيهَا الْخَرَاجُ وَالْعُشْرُ وَالْخُمُسُ مِنْ الْمُؤَنِ بِخِلَافِ الدَّارِ فَإِنَّهَا تُمْلَكُ خَالِيَةً عَنْهَا.
(وَإِنْ وَجَدَ كَنْزًا فِيهِ عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ) مِثْلُ آيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ أَوْ اسْمِ الْمَلِكِ الْإِسْلَامِيِّ (فَهُوَ كَاللُّقَطَةِ) وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَمَا فِيهِ عَلَامَةُ الْكُفْرِ) مِثْلُ الصَّنَمِ أَوْ أَسَامِي مُلُوكِهِمْ الْمَعْرُوفِينَ (خُمِّسَ) يُقَالُ خَمَسَ الْقَوْمَ إذَا أَخَذَ خُمُسَ أَمْوَالِهِمْ مِنْ بَابِ طَلَبَ وَالْخُمُسُ بِضَمَّتَيْنِ وَقَدْ تُسَكَّنُ الْمِيمُ وَهَاهُنَا بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فَجَازَ بِنَاءُ الْمَفْعُولِ مِنْهُ (وَبَاقِيهِ لَهُ) أَيْ لِلْوَاجِدِ سِوَى الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ (إنْ كَانَتْ أَرْضُهُ) أَيْ الْأَرْضُ الَّتِي وَجَدَ فِيهَا الْكَنْزَ (غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ) كَالْجَبَلِ وَالْمَفَازَةِ وَغَيْرِهِمَا.
(وَإِنْ) كَانَتْ (مَمْلُوكَةً فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ الْخُمُسُ فَيْءٌ وَبَاقِيهِ لِلْوَاجِدِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِتَمَامِ الْحِيَازَةِ وَهُوَ مِنْ الْوَاجِدِ اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لَكِنْ فِي مُخْتَصَرِ الْوِقَايَةِ وَغَيْرِهِ خِلَافُهُ، تَتَبَّعْ (وَعِنْدَهُمَا بَاقِيهِ لِمَنْ مَلَكَهَا أَوَّلَ الْفَتْحِ) أَيْ حِينَ فَتَحَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ تِلْكَ الْبَلْدَةَ (إنْ عَلِمَ) وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَلِوَرَثَتِهِ ثُمَّ وَثُمَّ إلَى أَنْ عَرَفُوا؛ لِأَنَّ الْمُخْتَطَّ لَهُ مِلْكُ الْأَرْضِ بِالْحِيَازَةِ فَيَمْلِكُ ظَاهِرَهَا وَبَاطِنَهَا وَالْمُشْتَرِي مَلَكَهَا بِالْعَقْدِ فَيَمْلِكُ الظَّاهِرَ دُونَ الْبَاطِنِ فَبَقِيَ الْكَنْزُ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِ الْخُطَّةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ (فَلِأَقْصَى مَالِكٍ عُرِفَ لَهَا فِي الْإِسْلَامِ) وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ.
وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَهَذَا إذَا تَصَادَقَا أَنَّهُ كَنْزٌ فَلَوْ قَالَ صَاحِبُهُ: أَنَا وَضَعْتُهُ فَالْقَوْلُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ.
(وَمَا اشْتَبَهَ ضَرْبُهُ) عَلَيْهِمْ بِأَنْ خَلَا عَنْ الْعَلَامَةِ (يُجْعَلُ كَافِرِيًّا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ)؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (وَقِيلَ إسْلَامِيًّا فِي زَمَانِنَا) لِتَقَادُمِ الْعَهْدِ.
(وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَوَجَدَ فِي صَحْرَائِهَا رِكَازًا) أَيْ مَعْدِنَ ذَهَبٍ وَنَحْوِهِ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ كَالْمَفَازَةِ فَإِنَّ الرِّكَازَ اسْمٌ لِلْمَعْدِنِ حَقِيقَةً وَلِلْكَنْزِ مَجَازًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِهِ الْكَنْزُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنْ يَدْفَعُهُ مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ تَدَبَّرْ (فَكُلُّهُ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ فَلَا يَكُونُ غَدْرًا، وَفِيهِ إشْعَارٌ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ مُتَلَصِّصٌ دَارَهُمْ وَوَجَدَ فِي صَحْرَائِهِمْ رِكَازًا فَهُوَ لَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُجَاهِرٍ وَلَمْ يَأْخُذْهُ قَهْرًا وَغَلَبَةً.
(وَإِنْ وَجَدَهُ) أَيْ وَجَدَ ذَلِكَ الْمُسْتَأْمَنُ الرِّكَازَ (فِي دَارٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ (رَدَّهُ عَلَى مَالِكِهَا) أَيْ الدَّارِ وَكَذَا فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَذَرًا عَنْ الْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ، وَلَوْ لَمْ يَرُدَّهُ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا كَانَ مِلْكًا لَهُ مِلْكًا خَبِيثًا كَمَا فِي التُّحْفَةِ وَهَذَا قَوْلُ الطَّرَفَيْنِ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيُخَمَّسُ وَإِنَّمَا أَسْنَدَ الْوَاجِدَ إلَى الْمُسْتَأْمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ مُلْتَصِصٌ فَهُوَ لَهُ.
(وَإِنْ وُجِدَ) مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ وَلَا يَرْجِعُ ضَمِيرُهُ لِلْمُسْتَأْمَنِ مِنْ الْمَذْكُورِ (رِكَازُ مَتَاعِهِمْ) أَيْ دَخَلَ رَجُلٌ ذُو مَنَعَةٍ دَارَ الْحَرْبِ وَوَجَدَ رِكَازَ مَتَاعِهِمْ أَيْ مَا يُتَمَتَّعُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ قِيلَ الْأَوَانِي وَقِيلَ الثِّيَابُ (فِي أَرْضٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ (غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ) قَيَّدَهُ لِيُفِيدَ الْحُكْمَ بِالْأَوْلَوِيَّةِ فِي الْمَمْلُوكَةِ لِكَوْنِ الْمَأْخُوذِ غَنِيمَةً (خُمِّسَ وَبَاقِيهِ لَهُ) وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ انْدَفَعَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ عَلَى الْوِقَايَةِ وَصَاحِبُ الْفَوَائِدِ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَكَذَا ظَهَرَ فَسَادُ مَا قِيلَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَإِنْ فُهِمَتْ مِمَّا سَبَقَ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهَا تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَأَمَّا قَوْلُ الْبَاقَانِيِّ إرْجَاعُ ضَمِيرٍ مِنْهَا عَلَى أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ وَعُشْرِيَّةٍ فِي أَرْضِنَا فَبَعِيدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَبْقَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَتَبَّعْ.
فَإِنَّهُ مِنْ مَزَالِقِ الْأَقْدَامِ.
(وَلَا خُمُسَ فِي نَحْوِ فَيْرُوزَجَ) وَهُوَ مُعَرَّبُ بيروزه (وَزَبَرْجَدَ) وَكَذَا فِي الْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ وَغَيْرِهِمَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا خُمُسَ فِي الْحَجَرِ» (وُجِدَ فِي الْجَبَلِ) قَيَّدَهُ بِالْجَبَلِ؛ لِأَنَّهُ يُخَمَّسُ مَا وُجِدَ فِي خَزَائِنِ الْكُفَّارِ.
(وَيُخَمَّسُ زِئْبِقٌ) عِنْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ أَخَّرَ الزِّئْبَقَ بِكَسْرِ الْبَاءِ بَعْدَ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَهُوَ مُعَرَّبُ زيوه بِالْفَارِسِيِّ وَ (لَا) يُخَمَّسُ (لُؤْلُؤٌ) هُوَ جَوْهَرٌ مُضِيءٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَطَرِ الرَّبِيعِ الْوَاقِعِ فِي الصَّدَفِ قِيلَ إنَّهُ حَيَوَانٌ مِنْ جِنْسِ السَّمَكِ يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى اللُّؤْلُؤَ فِيهِ (وَعَنْبَرٌ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فِي الْبَحْرِ بِمَنْزِلَةِ الْحَشِيشِ فِي الْبَرِّ وَقِيلَ صَمْغُ شَجَرٍ وَقِيلَ زَبَدُ الْبَحْرِ وَقِيلَ خِثْيُ الْبَقَرِ الْبَحْرِيِّ وَقِيلَ رَوْثُ غَيْرِهِ وَقِيلَ دَابَّةٌ قَالَ ابْنُ سَيْنَاءَ الْكُلُّ بَعِيدٌ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَيْنٍ فِي الْبَحْرِ وَيَطْفُو وَيُرْمَى بِالسَّاحِلِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَكَذَا لَا شَيْءَ فِيمَا اُسْتُخْرِجَ مِنْ الْبَحْرِ، وَلَوْ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً؛ لِأَنَّ قَعْرَ الْبَحْرِ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ الْقَهْرُ فَلَا يَكُونُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ غَنِيمَةً فَلَا يَكُونُ فِيهِ الْخُمُسُ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِالْعَكْسِ) أَيْ لَا يُخَمَّسُ زِئْبِقٌ وَيُخَمَّسُ لُؤْلُؤٌ وَعَنْبَرٌ عِنْدَهُ فِي الْأَصَحِّ.

.بَابُ زَكَاةِ الْخَارِجِ:

وَجْهُ تَأْخِيرِهِ أَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ وَالْعُشْرُ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْعِبَادَةُ الْمَحْضَةُ مُقَدَّمَةٌ وَسُمِّيَ بِالزَّكَاةِ مَعَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ لَيْسَ بِمِقْدَارِ الزَّكَاةِ بَلْ الْعُشْرُ إلَّا أَنَّ الْمَأْخُوذَ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الزَّكَاةِ فَسُمِّيَ بِهَا وَبِهَذَا لَا حَاجَةَ إلَى مَا قِيلَ تَسْمِيَتُهُ زَكَاةً عَلَى قَوْلِهِمَا لِاشْتِرَاطِهِمَا النِّصَابَ وَالْبَقَاءَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ.
تَدَبَّرْ (فِيمَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ) أَيْ الْمَطَرُ (أَوْ سُقِيَ سَيْحًا) السَّيْحُ بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْيَاءِ الْمَاءُ الْجَارِي كَالْأَنْهَارِ وَالْأَوْدِيَةِ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ فَإِنْ سَقَاهُ فِي النِّصْفِ أَوْ الْأَقَلِّ فَفِي الْخَارِجِ نِصْفُ الْعُشْرِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (أَوْ) مَا (أُخِذَ مِنْ ثَمَرِ جَبَلٍ الْعُشْرُ) مُبْتَدَأٌ وَالظَّرْفُ الْمُقَدَّمُ خَبَرُهُ، إنْ حَمَاهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَقْصُودٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَإِنْ لَمْ يَحْمِهِ الْإِمَامُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ كَالصَّيْدِ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِلَا شَرْطِ نِصَابٍ وَ) لَا شَرْطِ (بَقَاءٍ) حَتَّى تَجِبَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا إنَّمَا يَجِبُ) الْعُشْرُ (فِيمَا يَبْقَى سَنَةً) بِلَا مُعَالَجَةٍ كَثِيرَةٍ فَلَا شَيْءَ فِي مِثْلِ الْخَوْخِ وَالْكُمَّثْرَى وَالتُّفَّاحِ وَالْمِشْمِشِ وَالثُّومِ وَالْبَصَلِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَبْقَى فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُوَسَّقُ كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْعُنَّابِ وَالتِّينِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَغَيْرِهَا فَلَا شَيْءَ فِيهِ (إلَّا إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ) فَصَارَ الْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ لَهُمَا فِي الْأَوَّلِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ».
وَفِي الثَّانِي «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ» وَلَهُ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ} وَالْحَدِيثُ «فِيمَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» وَتَأْوِيلُ مَرْوِيِّهِمَا أَنَّ الْمَنْفِيَّ زَكَاةُ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِالْأَوْسَاقِ، وَقِيمَةُ الْوَسْقِ كَانَتْ يَوْمِئِذٍ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ عُشْرٌ وَحَدِيثُ الْخَضْرَاوَاتِ إسْنَادُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ عِنْدَ اسْتِحْكَامِهِ (وَالْوَسْقُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَيُرْوَى بِكَسْرِهَا حِمْلُ الْبَعِيرِ (سِتُّونَ صَاعًا) بِصَاعِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ أَلْفٌ وَمِائَتَا مَنٍّ؛ لِأَنَّ كُلَّ صَاعٍ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءٍ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ.
وَقَالَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ الْوَسْقُ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.
(وَ) إنْ كَانَ مِمَّا يَبْقَى (مَا لَا يُوَسَّقُ) كَالْقُطْنِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالسُّكَّرِ (فَإِذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ مَا لَا يُوَسَّقُ (خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ أَدْنَى مَا يُوَسَّقُ) مِنْ نَحْوِ الدَّخَنِ (يَجِبُ) الْعُشْرُ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ التَّقْدِيرُ الشَّرْعِيُّ اُعْتُبِرَ بِالْقِيمَةِ كَمَا فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ وَاعْتُبِرَ أَدْنَاهُ لِنَفْعِ الْفَقِيرِ.
(وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ) الْعُشْرُ فِيمَا لَا يُوَسَّقُ (إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَمْثَالِ مَنٍّ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ)؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْوَسْقِ فِيمَا يُوَسَّقُ كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ أَوَّلًا بِالصَّاعِ ثُمَّ بِالْكَيْلِ ثُمَّ بِالْوَسْقِ فَكَانَ الْوَسْقُ أَقْصَى مَا يُقَدَّرُ مِنْ مِعْيَارِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (فَاعْتُبِرَ فِي الْقُطْنِ خَمْسَةُ أَحْمَالٍ وَفِي الزَّعْفَرَانِ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ فِي الْقُطْنِ الْحِمْلُ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ أَوَّلًا بِالْأَسَاتِيرِ ثُمَّ بِالْأَمْنَاءِ ثُمَّ بِالْحِمْلِ وَفِي الزَّعْفَرَانِ الْمَنُّ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ أَوَّلًا بِالسَّنَجَاتِ ثُمَّ بِالْأَسَاتِيرِ ثُمَّ بِالْأَمْنَاءِ، وَالْحِمْلُ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ وَالْمَنُّ رَطْلَانِ وَالرَّطْلُ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَهِيَ عِشْرُونَ إسْتَارًا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفٌ وَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ كُلُّ نَوْعِ مِنْ الْحُبُوبِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ لَا يُضَمُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَيُضَمُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ يَجِبُ الْعُشْرُ فَيُؤَدِّي مِنْ كُلِّ نَوْعٍ حِصَّتَهُ وَعَنْهُ إنَّ مَا أَدْرَكَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ يُضَمُّ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ.
(وَلَا شَيْءَ فِي حَطَبٍ وَقَصَبٍ فَارِسِيٍّ وَحَشِيشٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا تُقْصَدُ بِهِمَا اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ غَالِبًا فَلَوْ اتَّخَذَهَا مَشْجَرَةً أَوْ مَقْصَبَةً أَوْ مَنْبَتًا لِلْحَشِيشِ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَقَيَّدَ بِالْفَارِسِيِّ؛ لِأَنَّ قَصَبَ السُّكَّرِ وَقَصَبَ الذَّرِيرَةِ فِيهِمَا الْعُشْرُ وَسُمِّيَ بِالذَّرِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا تُجْعَلُ ذَرَّةً ذَرَّةً وَتُلْقَى فِي الدَّوَاءِ، وَأَجْوَدُهُ يَاقُوتِيُّ اللَّوْنِ، وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَدْوِيَةِ لِحَرْقِ النَّارِ مَعَ دُهْنِ وَرْدٍ وَخَلٍّ وَيَنْفَعُ مِنْ أَوْرَامِ الْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ مَعَ الْعَسَلِ وَمِنْ الِاسْتِسْقَاءِ ضِمَادًا.
(وَ) لَا شَيْءَ فِي (تِبْنٍ وَسَعَفٍ) بِفَتْحَتَيْنِ وَرَقُ نَخْلٍ وَكَذَا كُلُّ حَبٍّ لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ كَبَذْرِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَكَذَا كُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الشَّجَرِ كَالصَّمْغِ وَالْقَطْرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ الِاسْتِغْلَالُ وَيَجِبُ فِي الزَّيْتُونِ وَالْعُصْفُرِ وَالْكَتَّانِ وَبَذْرِهِ وَلَا شَيْءَ فِي الْأُشْنَانِ وَالْخِطْمِيِّ وَبَذْرِهِ.
(وَ) يَجِبُ (فِيمَا سَقَى) الْخَارِجُ أَكْثَرَ الْحَوْلِ أَوْ نِصْفَهُ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ الْخُمُسَ فِي الْغَنَائِمِ وَالْمُؤْنَةُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْهَا فِي الزِّرَاعَةِ وَلَكِنَّ هَذَا تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ.
وَفِي الْعِنَايَةِ وُجُوبُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَسْقِيُّ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ مِمَّا يَبْقَى سَنَةً وَيَكُونُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ (بِغَرْبٍ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الدَّلْوُ الْعَظِيمُ يُدِيرُهُ الْبَقَرُ (أَوْ دَالِيَةٍ) دُولَابٌ يُدِيرُهُ الْبَقَرُ.
وَفِي الْمُغْرِبِ مَا يُدِيرُهُ الْبَقَرُ مِنْ جِذْعٍ طَوِيلٍ يُرَكَّبُ تَرْكِيبَ مَدَاقِّ الْأُرْزِ وَفِي رَأْسِهِ مِغْرَفَةٌ كَبِيرَةٌ (أَوْ سَانِيَةٍ) هِيَ النَّاقَةُ الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا (نِصْفُ الْعُشْرِ قَبْلَ رَفْعِ مُؤَنِ الزَّرْعِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ الْمُؤْنَةِ وَهِيَ الثِّقَلُ وَالْمَعْنَى بِلَا إخْرَاجِ مَا صُرِفَ لَهُ مِنْ نَفَقَةِ الْعُمَّالِ وَالْبَقَرِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الزَّرْعِ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فِيمَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ»؛ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَكَمَ بِتَفَاوُتِ الْوَاجِبِ لِتَفَاوُتِ الْمُؤَنِ فَلَا مَعْنَى لِرَفْعِهَا هَذَا قَيْدٌ لِمَجْمُوعِ الْعُشْرِ وَنِصْفِهِ كَمَا لَا يَخْفَى.
وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ جَعَلَ السُّلْطَانُ الْعُشْرَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ جَعَلَ الْخَرَاجَ لَهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ.
(وَ) يَجِبُ فِي الْعَسَلِ الْعَشْرُ (قَلَّ أَوْ كَثُرَ) عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ وَمَالِكٍ قَاسَاهُ عَلَى الْإِبْرَيْسَمِ قُلْنَا: الْعَسَلُ مَنْصُوصٌ وَلِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الثِّمَارَ وَالْأَنْوَارَ وَفِيهِمَا الْعُشْرُ فَكَذَا فِيمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا بِخِلَافِ دُودِ الْقَزِّ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْأَوْرَاقَ وَلَا عُشْرَ فِيهَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي قَوْلِهِ وَفِيهِمَا الْعُشْرُ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ لَا عُشْرَ فِي الْأَنْوَارِ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا نَظَرٌ تَدَبَّرْ (إذَا أُخِذَ مِنْ جَبَلٍ) عُشْرِيٌّ احْتِرَازٌ عَمَّا فِي الْخِزَانَةِ أَنْ لَا شَيْءَ مِنْ جَبَلٍ فِي رِوَايَةٍ (أَوْ أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ) لَا خَرَاجِيَّةٍ إذَا لَا شَيْءَ فِيهَا لِئَلَّا يَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ.
(وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَفْرَاقٍ) يَجِبُ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ الْعَسَلُ الْفَرَقُ (وَالْفَرَقُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا) قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ الْفَرَقُ بِفَتْحَتَيْنِ إنَاءٌ يَأْخُذُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْمُحْدَثُونَ عَلَى السُّكُونِ وَكَلَامُ الْعَرَبِ عَلَى التَّحْرِيكِ.
(وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا بَلَغَ عَشْرَ قِرَبٍ) كُلُّ قِرْبَةٍ خَمْسُونَ مَنًّا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ» وَعَنْهُ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ وَعَنْهُ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَيُؤْخَذُ عُشْرَانِ مِنْ أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ لِتَغْلِبِيٍّ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ.
(وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عُشْرٌ وَاحِدٌ إنْ كَانَ اشْتَرَاهَا مِنْ مُسْلِمٍ)؛ لِأَنَّ وَظِيفَةَ الْأَرْضِ لَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْمَالِكِ عِنْدَهُ.
(وَلَوْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّغْلِبِيِّ (ذِمِّيٌّ أُخِذَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الذِّمِّيِّ (الْعُشْرَانِ) أَصْلِيًّا كَانَ التَّضْعِيفُ أَوْ حَادِثًا بِأَنْ اشْتَرَاهَا مِنْ مُسْلِمٍ اشْتَرَى مِنْ تَغْلِبِيٍّ.
(وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ أَسْلَمَ هُوَ) أَيْ التَّغْلِبِيُّ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرَانِ؛ لِأَنَّ التَّضْعِيفَ صَارَ وَظِيفَةَ الْأَرْضِ فَيَبْقَى بَعْدَ إسْلَامِهِ كَالْخَرَاجِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ رُدَّ الْوَاجِبُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ لِزَوَالِ الدَّاعِي إلَى التَّضْعِيفِ وَهُوَ الْكُفْرُ.
(وَقِيلَ مُحَمَّدٌ مَعَهُ) وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ الْإِمَامِ فِي بَقَاءِ التَّضْعِيفِ الْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّ التَّضْعِيفَ الْحَادِثَ لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْكَافِي (وَعَلَى الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ (مَا عَلَى الرَّجُلِ) مِنْهُمْ وَهُوَ الْعُشْرُ الْمُضَاعَفُ فِي الْعُشْرِيَّةِ وَالْخَرَاجُ فِي الْخَرَاجِيَّةِ.
(وَلَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ) غَيْرُ تَغْلِبِيٍّ (عُشْرِيَّةَ مُسْلِمٍ) وَقَبَضَهَا بِلَا مَانِعٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ فِي الْعُشْرِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْكُفْرُ يُنَافِيهَا وَلَا وَجْهَ إلَى التَّضْعِيفِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُؤْخَذُ الْعُشْرُ مُضَاعَفًا وَيُصْرَفُ مَصْرِفَ الْخَرَاجِ.
(وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَبْقَى عَلَى حَالِهَا)؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُؤْنَةً لَهَا فَلَا يَتَبَدَّلُ كَالْخَرَاجِ ثُمَّ فِي رِوَايَةٍ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الصَّدَقَاتِ وَفِي رِوَايَةٍ مَصَارِفَ الْخَرَاجِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَإِنْ أَخَذَهَا) أَيْ الْأَرْضَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الذِّمِّيِّ (مُسْلِمٌ بِشُفْعَةٍ أَوْ رُدَّتْ عَلَى الْبَائِعِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ عَادَ الْعُشْرُ) قَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَيَجِبُ الْعُشْرُ عَلَى مُسْلِمٍ أَخَذَهَا مِنْهُ شُفْعَةً أَوْ رُدَّتْ عَلَيْهِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ أَوْ خِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ الرُّؤْيَةِ أَوْ الْعَيْبِ بِقَضَاءٍ مُتَعَلِّقٍ بِقَوْلٍ رُدَّتْ يَعْنِي إذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ مُسْلِمٍ عُشْرِيَّةً ثُمَّ أَخَذَهَا مُسْلِمٌ بِالشُّفْعَةِ أَوْ رُدَّتْ عَلَيْهِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ أَوْ بِخِيَارِ مَا عَادَتْ عُشْرِيَّةً كَمَا كَانَتْ انْتَهَى.
لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوْ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ اشْتِرَاطَ الْقَضَاءِ بِجَمِيعِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ إلَّا فِي الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ كَانَ فَسْخًا إذَا كَانَ بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ الْفَسْخِ فَإِذَا كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَانَ إقَالَةً وَهُوَ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَصَارَ شِرَاءً مِنْ الذِّمِّيِّ فَتُنْقَلُ إلَيْهِ بِمَا فِيهَا مِنْ الْوَظِيفَةِ.
(وَفِي دَارٍ جُعِلَتْ بُسْتَانًا) الْبُسْتَانُ كُلُّ أَرْضٍ يَحُوطُهَا حَائِطٌ وَفِيهَا نَخِيلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَأَشْجَارٌ، وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْهَا بُسْتَانًا بَلْ أَبْقَاهَا دَارًا وَلَكِنْ فِيهَا نَخِيلٌ لَا شَيْءَ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا (خَرَاجٌ إنْ كَانَتْ) الدَّارُ (لِذِمِّيٍّ) سَوَاءٌ سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ أَوْ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ أَلْيَقُ بِالذِّمِّيِّ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْمَاءِ الْعُشْرِيِّ إلَّا أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عُشْرًا وَاحِدًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عُشْرَيْنِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (أَوْ لِمُسْلِمٍ سَقَاهَا بِمَائِهِ) أَيْ الْخَرَاجِ فَفِيهِ الْخَرَاجُ.
(وَإِنْ سَقَاهَا بِمَاءِ الْعُشْرِ فَعُشْرٌ) وَلَوْ أَنَّ الْمُسْلِمَ أَوْ الذِّمِّيَّ سَقَاهُ مَرَّةً بِمَاءِ الْعُشْرِ وَمَرَّةً بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَالْمُسْلِمُ أَحَقُّ بِالْعُشْرِ وَالذِّمِّيُّ أَحَقُّ بِالْخَرَاجِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَاسْتُشْكِلَ فِي إيجَابِ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً حَتَّى قَالَ السَّرَخْسِيُّ: إنَّ عَلَيْهِ الْعُشْرَ بِكُلِّ حَالٍ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمَمْنُوعَ وَضْعُ الْخَرَاجِ عَلَيْهِ جَبْرًا، أَمَّا بِاخْتِيَارِهِ فَيَجُوزُ وَقَدْ اخْتَارَهُ هُنَا حَيْثُ سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَلَا شَيْءَ فِي الدَّارِ، وَلَوْ لِذِمِّيٍّ)؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ الْمَسَاكِنُ عَفْوٌ.
(وَمَاءُ السَّمَاءِ) أَيْ مَاءُ الْأَنْهَارِ وَالْبِحَارِ الْوَاقِعَةِ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ (وَ) مَاءُ (الْبِئْرِ) الْمَحْفُورَةِ فِيهَا (وَالْعَيْنِ) الْوَاقِعَةِ فِيهَا (عُشْرِيٌّ) أَيْ مَنْسُوبٌ إلَى الْعُشْرِ فَإِنَّهُ حَصَلَ مِنْهُ فَمَا كَانَ مِنْهَا فِي الْأَرْضِ خَرَاجِيَّةً فَخَرَاجِيٌّ فَلَوْ انْقَطَعَ عَنْ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ مَاءُ الْخَرَاجِ ثُمَّ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْعُشْرِ صَارَتْ عُشْرِيَّةً، وَلَوْ انْعَكَسَ صَارَتْ خَرَاجِيَّةً كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَمَاءُ أَنْهَارٍ) جَمْعُ نَهْرٍ بِالسُّكُونِ أَوْ الْفَتْحِ مَجْرَى الْمَاءِ (حَفَرَهَا) مِنْ مَالِ الْخَرَاجِ (الْعَجَمُ) أَيْ اسْمُ جَمْعٍ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَيْ بَعْضُ مُلُوكِهِمْ كشداديان وكيانيان وإشكانيان وساسانيان وَآخِرُهُمْ بِيَزْدَجْرِدُ (خَرَاجِيٌّ) أَيْ مَنْسُوبٌ إلَى الْخَرَاجِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ بَعْضِهَا مِنْ مَاءٍ فِيهِ خِلَافٌ كَنَهْرِ الْمَلِكِ وَكَذَا مَاءُ بِئْرٍ حُفِرَتْ فِيهَا وَعَيْنٌ تَظْهَرُ فِيهَا (وَكَذَا) أَيْ خَرَاجِيٌّ مَاءُ (سَيْحُونَ) نَهْرُ خُجَنْدَ أَوْ التُّرْكِ أَوْ الْهِنْدِ.
(وَ) مَاءُ (جَيْحُونَ) نَهْرُ بَلْخَ أَوْ تِرْمِذَ.
(وَ) مَاءُ (دِجْلَةَ) نَهْرُ بَغْدَادَ (وَالْفُرَاتُ) نَهْرُ الْكُوفَةِ أَوْ الْعِرَاقِ وَكَذَا النِّيلُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ)؛ لِأَنَّهُ تُتَّخَذُ عَلَيْهَا الْقَنَاطِرُ مِنْ السُّفُنِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَيْهَا (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّ هَذِهِ الْأَنْهَارَ عُشْرِيَّةٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْمِيهَا أَحَدٌ وَاِتِّخَاذُ الْقَنَاطِرِ عَلَيْهَا نَادِرٌ فَصَارَتْ كَالْبِحَارِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَاءَ الْخَرَاجِيَّ هُوَ الْمَاءُ الَّذِي كَانَ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ ثُمَّ صَارَتْ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ أُقِرَّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ أَوْ لَا وَالْعُشْرِيُّ مَا عَدَا ذَلِكَ.
(وَلَيْسَ فِي عَيْنِ قِيرٍ) وَهُوَ الزِّفْتُ وَالْقَارُ لُغَةٌ فِيهِ (أَوْ نِفْطٍ) بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَهُوَ أَفْصَحُ دُهْنٌ يَعْلُو الْمَاءَ وَكَذَا الْمِلْحُ (فِي أَرْضِ عُشْرٍ شَيْءٌ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَيْنُ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ أَوْ خَرَاجِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَنْزَالِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا هُمَا عَيْنَانِ فَوَّارَتَانِ كَعَيْنِ الْمَاءِ.
(وَإِنْ كَانَتْ) عَيْنُ قِيرٍ أَوْ نِفْطٍ (فِي أَرْضِ خَرَاجٍ فَفِي حَرِيمِهَا الصَّالِحِ لِلزِّرَاعَةِ الْخَرَاجُ) قَيَّدَ بِكَوْنِ الْحَرِيمِ الصَّالِحِ لِلزِّرَاعَةِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْحَرِيمُ عُشْرِيًّا وَزَرَعَهُ وَجَبَ الْعُشْرُ فِيمَا يَخْرُجُ وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (لَا فِيهَا) أَيْ عَيْنَ قِيرٍ أَوْ نِفْطٍ هَذَا احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ فِي هَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ أَيْضًا خَرَاجٌ بِأَنْ يَمْسَحَ الْعَيْنَ أَيْضًا تَبَعًا إذَا كَانَ حَرِيمُهَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا قِيلَ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ لَا فِيهَا وَهُوَ أَنْسَبُ إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ.
(وَلَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا يَجْتَمِعُ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ» وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجْتَمِعُ فَيُؤْخَذُ مِنْ الْخَرَاجِ عُشْرٌ وَمِنْ الْأَرْضِ خَرَاجٌ.
وَفِي الْمُحِيطِ يُؤْخَذُ الْعُشْرُ عِنْدَ ظُهُورِ التَّمْرِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقْتَ الْإِدْرَاكِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عِنْدَ اسْتِحْكَامِهِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ وَلَا يَحِلُّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَكْلُ غَلَّتِهَا قَبْلَ أَدَاءِ خَرَاجِهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِيهَا وَلَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ الْعُشْرِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْعُشْرَ وَإِنْ أَكَلَ ضَمِنَ وَمَنْ عَلَيْهِ عُشْرٌ أَوْ خَرَاجٌ وَمَاتَ أُخِذَ مِنْ تَرِكَتِهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ يَسْقُطُ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ وَمَنْ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ إذَا مُنِعَ مِنْهُ الْخَرَاجُ سِنِينَ لَا يُؤْخَذُ لِمَا مَضَى فِي قَوْلِ الْإِمَامِ لَكِنَّ الْفَتْوَى الْيَوْمَ خِلَافُهُ إذَا أَدْرَكْت الْغَلَّةَ كَانَ لِلسُّلْطَانِ حَبْسُهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْخَرَاجَ.